0

فتاوى

الرئيسية / فتاوى العقيدة/ ما حكم من اعتقد أن شريعة الله أفضل وحكم بغيرها؟
ما حكم من اعتقد أن شريعة الله أفضل وحكم بغيرها؟
السؤال :
من اعتقد أن الحكم بشريعة الله أفضل ولكن يجوز الحكم بغيرها فهل يعتبر هذا الأخ كافر أم لا وماذا تنصحه؟
الإجابة
الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد:
فاعلم أن تشريع الأحكام الوضعية المخالفة لحكم الله ورسوله في الدماء والأعراض والأموال‘ كفر أكبر مخرج عن ملة الإسلام لا شك في ذلك ولا ريب‘ ولا خلاف فيه بين علماء الإسلام‘ فإن هذا التشريع منازعة لله تعالى في حكمه‘ ومضادة له في شرعه‘ وقد قال تعالى: (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ)الشورى (21) وقال سبحانه: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا . وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا) النساء (60،61).
وإذا كان هذا حكم الله فيمن أراد التحاكم إلى الطاغوت‘ فكيف بالطاغوت نفسه الذي يشرع من دون الله.
وكيف لا يكون التشريع المخالف لشرع الله كفرا‘ وهو لابد يتضمن تحليل الحرام‘ وتحريم الحلال‘ أو إعطاء المشرعين الحق في ذلك‘ فلهم أن يحلوا ما شاءوا‘ وأن يحرموا ما أرادوا‘ وما اتفق عليه أغلبيتهم كان واجب التنفيذ‘ يعاقب ويجرّم من يخالفه‘ وهذا غاية الكفر.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ”مجموع الفتاوى” (3/267) : ” والإنسان متى حلل الحرام المجمع عليه‘ أو حرم الحلال المجمع عليه‘ أو بدل الشرع المجمع عليه‘ كان كافرا مرتدا باتفاق الفقهاء
وقال ابن كثير رحمه الله في ”البداية والنهاية” (13/139) ” فمن ترك الشرع المحكم المنزل على محمد بن عبد الله خاتم الأنبياء وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة كفر فكيف بمن تحاكم إلى الياسا وقدمها عليه؟! من فعل ذلك كفر بإجماع المسلمين “
و(الياسا) ويقال: (الياسق) هي قوانين جنكيز خان التتاري الذي ألزم الناس بالتحاكم إليها
ولا شك أن من باشر التشريع بنفسه كان أعظم كفرا وضلالا ممن تحاكم إليه.
وقال العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله في أضواء البيان” 3/259 في تفسير قوله تعالى: (وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا) الكهف/26. : ” ويفهم من هذه الآيات كقوله: (ولا يشرك في حكمه أحدا)‘ أن متبعي أحكام المشرعين غير ما شرعه الله أنهم مشركون بالله. وهذا المفهوم جاء مبينا في آيات أخر. كقوله فيمن اتبع تشريع الشيطان في إباحة الميتة بدعوى أنها ذبيحة الله: (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون) فصرح بأنهم مشركون بطاعتهم. وهذا الإشراك في الطاعة، واتباع التشريع المخالف لما شرعه الله تعالى ـ هو المراد بعبادة الشيطان في قوله تعالى: (ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم) وقوله تعالى عن نبيه إبراهيم: (يا أبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصيا)‘ وقوله تعالى: (إن يدعون من دونه إلا إناثا وإن يدعون إلا شيطانا مريدا) أي ما يعبدون إلا شيطانا، أي وذلك باتباع تشريعه ولذا سمى الله تعالى الذين يطاعون فيما زينوا من المعاصي شركاء في قوله تعالى: (وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم…) الآية. وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم هذا لعدي بن حاتم رضي الله عنه لما سأله عن قوله تعالى: (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله…) الآية فبين له أنهم أحلوا لهم ما حرم الله، وحرموا عليهم ما أحل الله فاتبعوهم في ذلك، وأن ذلك هو اتخاذهم إياهم أربابا.
ومن أصرح الأدلة في هذا: أن الله جل وعلا في سورة النساء بين أن من يريدون أن يتحاكموا إلى غير ما شرعه الله يتعجب من زعمهم أنهم مؤمنون، وما ذلك إلا لأن دعواهم الإيمان مع إرادة التحاكم إلى الطاغوت بالغة من الكذب ما يحصل منه العجب. وذلك في قوله تعالى: (ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا).
وبهذه النصوص السماوية التي ذكرنا يظهر غاية الظهور: أن الذين يتبعون القوانين الوضعية التي شرعها الشيطان على ألسنة أوليائه مخالفة لما شرعه الله جل وعلا على ألسنة رسله صلى الله عليهم وسلم، أنه لا يشك في كفرهم وشركهم إلا من طمس الله بصيرته، وأعماه عن نور الوحي مثلهم.
إلى أن قال:” وأما النظام الشرعي المخالف لتشريع خالق السماوات والأرض فتحكيمه كفر بخالق السماوات والأرض. كدعوى أن تفضيل الذكر على الأنثى في الميراث ليس بإنصاف، وأنهما يلزم استواؤهما في الميراث. وكدعوى أن تعدد الزوجات ظلم، وأن الطلاق ظلم للمرأة، وأن الرجم والقطع ونحوهما أعمال وحشية لا يسوغ فعلها بالإنسان، ونحو ذلك.
فتحكيم هذا النوع من النظام في أنفس المجتمع وأموالهم وأعراضهم وأنسابهم وعقولهم وأديانهم ـ كفر بخالق السموات والأرض، وتمرد على نظام السماء الذي وضعه من خلق الخلائق كلها وهو أعلم بمصالحها سبحانه وتعالى عن أن يكون معه مشرع آخر علوا كبيرا (أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله)‘(قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا قل الله أذن لكم أم على الله تفترون قل إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون) ”
وقال الشيخ ابن عثيمين: ما جاء في “شرح الأصول الثلاثة” كما في “مجموع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين” (6/161).: ” من لم يحكم بما أَنزل الله استخفافا به، أو احتقارا له، أو اعتقادا أن غيره أصلح منه، وأنفع للخلق أو مثله فهو كافر كفرا مخرجا عن الملة، ومن هؤلاء من يضعون للناس تشريعات تخالف التشريعات الإسلامية لتكون منهاجا يسير الناس عليه‘ فإنهم لم يضعوا تلك التشريعات المخالفة للشريعة الإسلامية إلا وهم يعتقدون أنها أصلح وأنفع للخلق‘ إذ من المعلوم بالضرورة العقلية‘ والجبلة الفطرية أن الإنسان لا يعدل عن منهاج إلى منهاج يخالفه إلا وهو يعتقد فضل ما عدل إليه ونقص ما عدل عنه ” وله كلام نحو هذا في بعض كتبه مثل :شرح كتاب التوحيد‘‘ وفتاواه المطبوعة في العقيدة‘ ولقاءات الباب المفتوح
وخلاصة القول أن الحكم بغير ما أنزل الله يكون كفراً أكبر ناقلاً عن الملة في أحوال هي:
1- أن يجحد الحاكم بغير ما أنزل الله أحقية حكم الله ورسوله وهذا ما لا نزاع فيه بين أهل العلم.
2- ألاّ يجحد الحاكم بغير ما أنزل الله كون حكم الله ورسوله حقاً، لكن اعتقد أن حكم غير الرسول صلى الله عليه وسلم أحسن من حكمه وأشمل، إما مطلقاً وإما بالنسبة لما استجد من الحوادث.
3- ألاّ يعتقد أنه أحسن من حكم الله ورسوله لكن اعتقد أنه مثله؛ لما يقتضيه ذلك من تسوية المخلوق بالخالق، والمناقضة لقوله تعالى: (ليس كمثله شيء)
4- إذا اعتقد جواز الحكم بما يخالف حكم الله. قال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله: “فهذا كالذي قبله يصدق عليه ما يصدق عليه؛ لاعتقاده جواز ما عُلم بالنصوص الصحيحة الصريحة القاطعة تحريمه”
5- من اعتقد أن نظام الإسلام لا يصلح تطبيقه في هذا القرن، كما قال الهالك المذموم (محمود محمد طه): “إن شريعة طبقها المعصوم في القرن السابع لا تصلح للقرن العشرين”
6- من اعتقد أن الإسلام سبب في تخلف المسلمين مثلما يفوه بذلك غلاة العلمانيين.
7- من اعتقد أن الإسلام ينحصر في علاقة المرء بربه ولا يتدخل في الشؤون الأخرى، ويعبرون عن ذلك بصيغ شتّى كقولهم: لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين وقولهم: دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله، وقولهم: الدين لله والوطن للجميع.
8- من يرى أن في الإسلام حدوداً قاسية وعقوبات وحشية كالجلد والقطع والرجم لا توافق روح العصر، بل تخالف ما تواضع عليه القوم في اتفاقاتهم الدولية والتزاماتهم الأممية.
ودليل ما مضى أن الله عزّ وجلّ نفى الإيمان عمن لم يرض بحكم رسوله صلى الله عليه وسلم فقال: (ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالاً بعيداً) إلى قوله سبحانه: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيم شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً).
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله: “ثم لا يكفي هذا التحكيم حتى ينتفي الحرج من قلوبهم والضيق وكونهم يحكمونه على وجه الإغماض ثم لا يكفي هذا التحكيم حتى يسلموا تسليماً، بانشراح صدر، وطمأنينة نفس، وانقياد بالظاهر والباطن.
ويكون الحكم بغير ما أنزل الله كفراً أصغر أو كفراً دون كفر كما قال ابن عباس رضي الله عنهما إذا كان أصل التحاكم مبنياً على الكتاب والسنة وقد أقر الحاكم بأن حكم الله هو الحق غير جاحد ولا منكر ولا مستحل، لكنه عدل عنه في واقعة أو قضية أو حادثة لهوى أو رشوة أو غير ذلك مع اعتقاده أنه آثم عاص مرتكب لكبيرة.
بقي الكلام الحاكم الذي يعلن أنه مسلم ويظهر الشعائر الدينية ثم يضع للرعية أنظمة وقوانين تصادم أحكام الشريعة فيحل الحرام ويحرم الحلال، ويجعل من ذلك أصلاً يتحاكم الناس إليه وينزلون عليه ولا يبيح الخروج عنه ولا الحكم بغيره، هل هذا من الكفر الأصغر أم من الأكبر؟
والجواب على ذلك وبالله التوفيق: إن المقرر في عقيدة كل مسلم أن التشريع حق لرب العالمين وحده، فالحلال ما أحل والحرام ما حرم‘ فلا يجوز لعبدٍ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يدّعي هذا الحق لنفسه أو لأحد من دون الله، فإن فعل فقد وقع في الشرك بحكم القرآن. قال تعالى: (أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله) وقال سبحانه: (مالهم من دونه من ولي ولا يشرك في حكمه أحداً)
يقول الدكتور عبد الرحمن المحمود حفظه الله: “إن ادعاء التشريع من دون الله بسن القوانين العامة والأنظمة المخالفة لشرع الله متضمن لأمرين:
أحدهما: رفض شريعة الله، إذ لو لم يرفضها لما استبدل بها غيرها.
الثاني: التعدي على حق من حقوق الله، وهو حق الحكم والتشريع حيث ادعاه لنفسه.
ثم ساق نقولاً عن الأئمة المتقدمين كابن حزم والشاطبي وابن تيمية وابن القيم وابن كثير وعن المعاصرين كعبد اللطيف بن عبد الرحمن وحمد بن عتيق ومحمد بن إبراهيم والأمين الشنقيطي وأحمد ومحمود شاكر ورشيد رضا والعثيمين رحمهم الله تعالى جميعا. ومن أمثلة تلك النقولات ما قاله الشيخ عبد الرزاق عفيفي رحمه الله: “من كان منتسباً للإسلام عالماً بأحكامه، ثم وضع للناس أحكاماً وهيأ لهم نظماً ليعملوا بها ويتحاكموا إليها وهو يعلم أنها تخالف أحكام الإسلام فهو كافر خارج عن ملة الإسلام.
وأما نصيحتي للمذكور أن يتعلم ويطلب العلم الشرعي ويسأل أهل العلم إذا لم يعلم ولا يقل على الله بغير علم قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:” ألا سألوا إذا لم يعلموا فإنما شفاء العي السؤال
فهذه المسألة خطرة جدا على عقيدة الإنسان وإن كان المذكور قد قرأ لبعض من تأثر بالعقائد المنحرفة فعليه أن يسأل أهل العلم الموثوق بدينهم وأسأل الله تعالى أن يزيل الغشاوة عن أبصارنا إنه سميع مجيب .
وكتب : د. عقيل بن محمد المقطري
2021-09-26 06:17:44
فتاوى : فتاوى عقيدة-عام   -  
كود الفتوى عنوان الفتوى تصنيف الفتاوى المفتون
56357

الذبح لأصحاب القبور

فتاوى العقيدة / فتاوى عقيدة-عام

القاضي محمد بن إسماعيل العمراني
56389

الموقف فيمن يرتكب جريمة سب الصحابة رضوان الله عنهم

فتاوى العقيدة / فتاوى عقيدة-عام

القاضي محمد بن إسماعيل العمراني
63451

المقصود بعلم الكلام عند الجرجاني

فتاوى العقيدة / فتاوى عقيدة-عام

د. عقيل بن محمد زيد المقطري
فتاوى لنفس المفتى / اللجنة
كود الفتوى عنوان الفتوى تصنيف الفتاوى المفتون
63414

الدعاء على الآخر بعدم الرحمة

فتاوى العبادات / فتاوى الذكر

د. عقيل بن محمد زيد المقطري
63044

ما حكم الراتب الذي يستلمه من وظيفة لا يداوم فيها؟

فتاوى المعاملات المالية / فتاوى الإجارة

د. عقيل بن محمد زيد المقطري
61957

حرمة دخول الحاج للميقات دون إحرام

فتاوى العبادات / فتاوى الحج والعمرة

د. عقيل بن محمد زيد المقطري
65458

تبييت النية لأكثر من يوم

فتاوى العبادات / فتاوى الصوم

أحمد بن حسن سودان المعلم
64441

رد ّالسلام على من لا يصلّي

فتاوى الصلاة / فتاوى الصلاة-عام

علي بن محمد بارويس
56087

الأخذ من مال الزوج لإعطائه أهل زوجته بغير إذنه

فتاوى الطلاق / فتاوى النفقة

القاضي محمد بن إسماعيل العمراني
فتاوى من نفس الموضوع