0

فتاوى

الرئيسية / فتاوى مجتمع وأسرة/ ختان الإناث
ختان الإناث
السؤال :
ورد إلي سؤال عن حكم ختان الإناث يزعم السائل فيه أن عدداً من الإناث قد تعرضن لمضاعفات نفسية و جسدية جرَّاء تعرضهن للختان ، و بناء على ذلك فإنه يسأل عن مشروعية ممارسة هذه الظاهرة في المجتمع .
الإجابة
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد و على آله وصحبه أجمعين ، أما بعد:
فقد ورد إلي سؤال عن حكم ختان الإناث ، يزعم السائل فيه أن عدداً من الإناث قد تعرضن لمضاعفات نفسية و جسدية جرَّاء تعرضهن للختان ، و بناء على ذلك فإنه يسأل عن مشروعية ممارسة هذه الظاهرة في المجتمع .
و أقول مستعيناً بالله : إن الختان - بشكل عام للذكر و الأنثى - ليس بظاهرة و إنما سنة من سنن الفطرة كما صح بذلك الحديث ، وأخرجه البخاري و مسلم عن أبي هريرة t و لفظه : { الفطرة خمس : الختان ، و الاستحداد ، وقص الشارب ، وتقليم الأظافر ، و نتف الإبط } و الفطرة هي الطبيعة السليمة التي لم تشب بعيب ، كما قال الله تعالى: ]فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله [ قال البيضاوي - رحمه الله - : (هي السنة القديمة التي اختارها الأنبياء و اتفقت عليها الشرائع ، وكأنها أمر جبلي فطروا عليه) نقله عنه الحافظ ابن حجر في الفتح (10/339) ، و أقره عليه دون تعقيب .
و قد ابتدأها إبراهيم أبو الأنبياء كما ثبت في صحيح البخاري و مسلم ؛ ولذلك فقد بقي في ذريته كما هو معروف عند العرب و اليهود . بل إن أمة العرب تُعرف بأنها أمة الختان كما في حديث أبي سفيان في قصة هرقل عند البخاري و غيره و فيه : { إني رأيت الليلة حين نظرت في النجوم أن ملك الختان قد ظهر ، فمن يختتن من هذه الأمة؟ قالوا : ليس يختتن إلا اليهود ، فلا يهمك شأنهم ، واكتب إلى مدائن ملكك ، فيقتلوا من فيهم من اليهود ، فبينما هم على أمرهم أتى هرقل برجل من غسان يخبر عن خبر رسول الله ، فلما استخبره هرقل قال : اذهبوا فانظروا أمختتن هو أم لا؟ فنظروا إليه ، فحدثوه أنه مختتن ، وسأله عن العرب فقال : هم يختتنون ، فقال هرقل : هذا ملك هذه الأمة قد ظهر }.
إذن فأمة العرب أمة الختان المأخوذ عن ابراهيم و ليس الختان فيها مقتصراً على الرجال بدليل قول : { إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل } فالختان عند العرب عام في الرجال و النساء و كان هناك خاتنات مشتهرات بذلك ، ففي البخاري في قصة غزوة أحد أن حمزة t قال لسباع بن عبد العزى : (يا ابن أم أنمار مقطعة البظور) قال الحافظ ابن حجر في الفتح (7/369) : (قال ابن إسحاق كانت امرأة ختانة بمكة تختن النساء) ، وفي المدينة كانت أم عطية كما في حديثها المشهور الذي حسنه الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة رقم (722) ، و إن كان قد خالفه بعضهم فضعفه ، فإن الوقائع تثبت بأقل من ذلك بكثير كما هو معروف عند أهل التاريخ و الأدب ، وإن لم يثبت حكم شرعي لكن المطلوب إثبات أن عادة الختان مشهورة عند العرب ، و جاء الإسلام فأكد ذلك بجعله من سنن الفطرة ، و على ذلك جرى الصحابة وفقهاء المذاهب الإسلامية ما بين قائل بالوجوب و قائل بالسنية .و قد أورد الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة (2/357- 358) عدداً من الآثار تؤكد ذلك و تبين اعتناء الصحابة به ، كأثر عثمان و عائشة رضي الله عنهما ، و الحسن البصري - رحمه الله - .
قال ابن القيم - رحمه الله - : (فالختان للحنفاء بمنزلة الصبغ و التعميد لعبَّاد الصليب ، فهم يطهرون أولادهم بزعمهم حين يصبغونهم في المعمودية و يقولون : الآن صار نصرانياً فشرع الله سبحانه للحنفاء صبغة الحنفية و جعل ميسمها الختان ، قال تعالى : ] صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة [) .
إذن فالختان موافق للفطرة الإنسانية و الهوية الدينية الحنفية و الانتماء القومي العربي ، مخالفاً بذلك شعار النصارى والأمم الوثنية الأخرى ، فلا يليق بنا أن ندع صبغة الله و فطرة الإنسان و شعار الملة و نتابع في ذلك أعدائنا على شعارهم وصبغتهم .
و للختان فوائد معروفة و حكم ظاهرة و خفية ، وحسبك آخر ما كشفته دراسات مرض الإيدز التي تقرها منظمة الصحة العالمية و يتحدث بها الخبراء في مكافحة الإيدز و التي تثبت أن ختان الذكور يخفض الإصابة بمرض الإيدز بنسبة (64%) ، و أما ختان الإناث فلم أطلع على دراسة منصفة له ، و لعل ذلك راجع إلى أن الغربيين يحاربونه فلا يحبون أن تظهر له أية فوائد ، ومع ذلك فقد ذكر العلماء المسلمون أن ختان المرأة يعدل من شهوتها إذا فعل بالطريقة الشرعية الصحيحة .
و أما المضار التي ذكرها السائل فهي غير حقيقية و لا جديرة بأن تكون سبباً لمحاربة عمل قد قالت مذاهب بوجوبه ، وقالت أخرى بسنيته ، إذ أن الأضرار المزعومة طبيعية في مثل هذا الحال ، فإذا كان ملايين النساء يختتنَّ ثم ظهر الضرر على عشرات أو مئات منهن فما ذاك بمسوغ لإلغاء الختان ، إذ تلك النسبة الضئيلة يمكن حصولها في كثير من الجراحات الطبية و حتى في ختان الذكور ، فهل ينبري من يحارب العمليات الجراحية بزعم أن عدداً من الناس تضرروا منها؟!
و أوضح من ذلك نقل الدم الذي لم يقل أحدٌ بوجوبه ، و لم يأت نص خاص بسنيته ، فإنه قد ثبت أن آلافاً وربما ملايين الأشخاص تسبب لهم نقل الدم في الإصابة بمرض الإيدز ، فهل نحرم ونمنع نقل الدم ، أم نعمل على أن يكون نقله بطريقة صحيحة آمنة من الأضرار؟ .
ثم عبر القرون الطويلة منذ زمن إبراهيم إلى يومنا هذا و ختان الإناث يجري لملايين النساء مع التخلف الواضح في استخدام أدواته ، ولم تبرز مشكلة الأضرار المترتبة عليه إلا عندما تبنت منظمات الأمم المتحدة في هذا العصر محاربته ، مع القدرة الفائقة على التغلب على تلك الأضرار لو أرادوا ، فبماذا نفسر ذلك؟ ! .
إن الواجب هو أن ندعوا لمحاربة الختان الفرعوني المخالف للشرع و الفطرة ، والذي تحققت مضاره بالاتفاق - و هو غير موجود في بلادنا مطلقاً و من قال أنه موجود فعليه البرهان - و أن ندعو إلى ترشيد الختان بين المسلمين بما أرشد إليه الشرع ، وأقره الطب الحديث لا أن ندعوا إلى إلغائه بالمرة .
و هناك أمر آخر وهو أن الاستحباب قد يرتفع إلى الوجوب لعارض مثل الخوف من اندثار ذلك المستحب و نسيانه وعدم العمل به ، وهذه القاعدة تنطبق على موضوعنا أتم الانطباق خصوصاً إذا علمنا أن مطالبة المنظمات الدولية بمحاربة الختان يأتي ضمن مجموعة مطالب كلها أو معظمها على الأقل نقض لثوابت دينية و أحكام شرعية معتبرة ، فإذا انبرى من المسلمين جماعات ، كل جماعة تعين وتساعد على نقض ثابت من تلك الثوابت ، فماذا يبقى؟! إذ ما من مسألة إلا يوجد لها من يؤيدها من المنتمين للإسلام اليوم ، فإذا فعلنا ذلك كفَينا أعدائنا المؤونة ، و قمنا عنهم مجتمعين بهدم جانب كبير من جوانب الإسلام .
و بعد هذا المدخل الذي لا بد منه للفتوى ، نأتي إلى تلخيص حكم ختان الإناث عند علماء الإسلام :
فعند الحنفية المشهور أنه مكرمة ، وهناك أقوال أخرى بأنه سنة .
و عند المالكية قولان : الأول أنه مكرمة ، والثاني أنه سنة .
و عند الشافعية أنه واجب ، قال النووي - رحمه الله - : (وهو المذهب الصحيح المشهور الذي نص عليه الشافعي و قطع به الجمهور) و هناك وجه في المذهب بأنه سنة ، قال النووي : إنه شاذ .
وللحنابلة قولان : الأول أنه واجب ، ولكن ابن قدامة قال : (الختان مكرمة في حق النساء و ليس بواجب عليهن) ثم قال : (هذا قول كثير من أهل العلم) . وقال ابن القيم - رحمه الله - : (لا خلاف في استحبابه للأنثى و اختلف في وجوبه) .
و الذين قالوا بأنه مكرمة في حق النساء لا يخالفون الاستحباب ؛ فإن فعل المكارم من أفضل ما يؤمر به ، وإنما العار و الذم أن يدعى إلى ترك المكارم ، فكلام ابن القيم صحيح لا غبار عليه .
و بعد كل ما تقدم أقول :
إن الختان في حق الذكر والأنثى فطرة ، وجبلة ، ودين ، وشعار يميز المسلم عن غيره ، فأتباع ابراهيم وذريته هم أهل الختان .
و الإسلام أقر تلك الفطرة و السنة الحنفية و أكدها حتى إن بعض علمائه قالوا بوجوبه في حق الذكر والأنثى ، وبعضهم قالوا بوجوبه للذكر و استحبابه للأنثى ، والبعض الآخر قالوا بسنيته أو استحبابه على الذكر والأنثى ، و أهونهم من قال : إنه مكرمة .
فالذين يحاربونه اليوم يحاربون أمراً مجمعاً عليه من علماء الإسلام بالمدح والطلب ، لا لشيء جد في المسألة و لا لسبب اكتشف مطلقاً ، وإنما فقط اختلف الحنفيون عباد الرحمن مع عبّاد الصليب و تواجه جمعاهما ، فكانوا مع جمع عباد الصليب رغبة أو رهبة أو تقليداً مذموماً و تشبهاً ممقوتاً .
و لو أننا تركنا الأمة على ما درجت عليه عدة قرون من التزام بعضهم بختان الإناث و ترك بعضهم له دون نكير من أحد الطرفين ، لو أنا فعلنا ذلك ما كان هناك ضير ، ولكن أن نتبنى محاربته لأن أعدائنا طلبوا منا ذلك ، فهذا الذي لا يجوز ، هذا لو اقتصرت مطالبتهم به فقط ، فكيف وهو حلقة من سلسلة طويلة من المطالب التي تنقض عرى الإسلام .
إن رفض مطالبهم تلك جميعها - إلا ما ثبت أنه من صميم الإسلام - هو الواجب على علماء المسلمين و دعاته بل على حكام المسلمين و سائر الشرائح المسلمة ، و الله تعالى أعلم .
أحمد بن حسن المعلم
3/5/1427هـ - 30/5/2006م
2021-10-10 08:18:04
فتاوى : فتاوى فقه المرأة   -  
كود الفتوى عنوان الفتوى تصنيف الفتاوى المفتون
62070

الحجاب وتغطية الوجه

فتاوى مجتمع وأسرة / فتاوى فقه المرأة فتاوى شئون وعادات / فتاوى اللباس والزينة

د. عقيل بن محمد زيد المقطري
62476

صلاة المرأة بزوجها لأنها تحسن القراءة وهو لا

فتاوى مجتمع وأسرة / فتاوى فقه المرأة فتاوى العبادات / فتاوى الصلاة

د. عقيل بن محمد زيد المقطري
65390

الثياب التي لاتستر

فتاوى شئون وعادات / فتاوى اللباس والزينة فتاوى مجتمع وأسرة / فتاوى فقه المرأة

علي بن محمد بارويس
فتاوى لنفس المفتى / اللجنة
كود الفتوى عنوان الفتوى تصنيف الفتاوى المفتون
63308

سرق وهو صغير

فتاوى كتاب الحدود / فتاوى حد السرقة

أحمد بن حسن سودان المعلم
63360

تبقى حائضة لفترة طويلة

فتاوى الطهارة / فتاوى الحيض والنفاس والجنابة

أحمد بن حسن سودان المعلم
62740

شراء العقار بمال العقار

فتاوى المعاملات المالية / فتاوى البيع

أحمد بن حسن سودان المعلم
66277

تقسيم التركة لذكور دون الإناث

فتاوى مجتمع وأسرة / فتاوى الميراث

علي بن محمد بارويس
60605

وقف الذرية إذا كان للذكور من دون الإناث

فتاوى المعاملات المالية / فتاوى الوقف

القاضي محمد بن إسماعيل العمراني
60568

تفضيل الذكور على الإناث في الهبات والعطايا

فتاوى المعاملات المالية / فتاوى الهبة

القاضي محمد بن إسماعيل العمراني
فتاوى من نفس الموضوع